A.Hesham المدير العام
| موضوع: الحج إلى كربلاء وخطيب جامع برشّاش.. مرحباً بك في إيران الإثنين 27 سبتمبر 2010, 12:46 am |
| الحج إلى كربلاء وخطيب جامع برشّاش.. مرحباً بك في إيران المواطن الإيراني لا يحمل من الاختلافات عنا سوى الاختلافات الطبيعية بينأبناء الشعوب والثقافات المختلفة، وهذا أمر بديهي يفرض نفسه، واختلافالطقوس التعبدية وطرق الاحتفال الديني للإيراني أمر لا يدعو للدهشة؛فالواقع يقول باختلاف الطقوس بين الديانات المختلفة، بل وبين المذاهب التيقد يتضمّنها الدين الواحد.
دعونا إذن نتعرّف على بعض أبرز مظاهر الحياة الدينية للإيراني...
صلاة الجمعة الإيرانية بالطوب وماء الورد والمدفع الرشّاش لصلاة الجمعة عند أهل السُنة أهمية عالية، حتى بين غير المنتظمين في أداءباقي الصلوات، وهي كذلك عند الشيعة، وإن كانت طقوسها أكثر تعقيدًا فيإيران، وبالذات طهران. فبينما تكون لدى السُنة مكوّنة من خطبتين يتخللهمادعاء أو استغفار، ثم ركعتين كركعتي الصبح، تكون ذات مراسم خاصة لدىالإيرانيين؛ فهي بالنسبة لهم ليست مجرّد صلاة جماعية، يجدّد فيها المسلمونالعهد مع الله وجماعة المسلمين، بقدر ما هي وسيلة لتوصيل تعليمات كبار"آيات الله" للعابدين؛ باعتبار أن "آيات الله" -وعلى رأسهم المرشد الأعلى-هم بمثابة الواسطة بين الله وعبده، فضلاً عن أنها علامة على انتهاء فترةالتقية (إخفاء الشيعة مذهبهم خوفًا من بطش أعدائهم)؛ إذ لم يكن الشيعةيقيمونها منذ اختفاء إمامهم الثاني عشر، وحتى أعادها الإمام الخميني فيإعلان منه عن إنهاء التقية وإشهار دولة الشيعة.
وشخصية الخطيب تكون مجهولة ومعتمة حتى لحظة صعوده المنبر، فهو ليس مجردخطيب بل هو شخص يشغل منصبًا مهمًا يعيّنه وليّ الأمر بنفسه بقرار سيادي؛لخطورة مهمته في توجيه الجمهور الإيراني وفق خطط قياداته الدينية. يصعدالخطيب منبره الفسيح ويُحيّيه المصلّون بالتكبيرات، ويلقي خطبته التيتتخلّلها من حين لآخر هتافات: "مرك بر أمريكا.. مرك بر إسرائيل.. مرك برضد ولاية الفقيه" (الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. الموت لمن هو ضدولاية الفقيه)، وعادة ما يتزعم تلك الهتافات رجل مسئول عن النظام فيالمسجد (نظام نماز)، وعادة ما يتّكئ الخطيب على مدفع رشّاش، أُسوة ببعضالخطباء الذين اعتادوا الاتكاء على السيف كرمز للجهاد المستمرّ.
ثم تُقام الصلاة، ويقف الإمام في مستوى منخفض عن المصلين كرمز لغيبةالإمام الثاني عشر في أحد الكهوف. وأمام كل مُصَلٍّ قطعة من الحجر من أرضكربلاء -موضع استشهاد الحسين رضي الله عنه- يضع عليها جبهته عند السجود.وبعد الصلاة يرشّ أحد خدّام المسجد ماء الورد على المصلين وهو يهتف"بركات!".
الأعياد الإيرانية بين عيد الفطر و"الغدير" والصراخ والعويل يحتفل الإيراني الشيعي بعيدَي الفطر والأضحى، والمولد النبوي الشريف،ومولد الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه (الإمام السادس للشيعة)، وكذلكيحتفلون بـ"عيد الغدير"، وهو ذكرى ما اعتبروه تسليم الرسول -صلى الله عليهوسلم- الولاية على المسلمين من بعده للإمام علي بن أبي طالب -كرَّم اللهوجهه- حين قال الرسول حديثه الشريف: "من كنتُ مولاه، فعليّ مولاه" عندغدير "خم".
أما أبرز مناسباتهم فهي تلك المرتبطة بالحزن على معاناة آل البيت،واستشهاد الحسين بن علي -رضي الله عنهما- وكثير من آل بيته في كربلاء،وهذا في ذكرى عاشوراء. فيحتفلون بذكراه بإقامة مواكب الحزن الجنائزية التيمن أشهر مظاهرها ممارسة البعض طقوس جلد النفس بسلاسل حديدية، ولطم الصدوربقبضات اليد تكفيرًا -حسب اعتقادهم- عن خطيئة أسلافهم، حين تخلّوا عنالحسين، وتركوه لجنود يزيد بن معاوية يسفكون دمه. كما يقومون بتنظيم مشهدتمثيلي في الشارع لواقعة كربلاء، يقوم فيها أحدهم بدور الحسين الشهيد،بينما يقوم الآخرون بدور قتلته، ويتخلّل العرض هتافات من المشاهدين معاديةلقتلة الحسين، خاصة في المشاهد التي تظهر فيها شخصية يزيد بن معاوية.
ثم بعد أربعين يومًا من عاشوراء، يحتفلون بيوم الأربعين، وهو إحياء لذكرىعذاب آل الحسين، عندما تم أسرهم، ونقلهم في قافلة طويلة من العراق إلىدمشق عاصمة الأمويين، في هجير الصحراء.
وخلال الأيام العشرة الأولى من شهر المحرم، تكون مظاهر الحداد الكئيبةمسيطرة على إيران، وترتفع في أنحاء طهران الرايات السود علامة على الحدادالعميق.
وأغلب الإيرانيين يصومون يوم عاشوراء، ثم بعد الإفطار يتجمّعون فيالحسينيات (دور المناسبات) ليحيوا ليلة عزاء الحسين، ويستمعون للمنشد يقصّبأبيات حزينة قصة الحسين، حتى يبكي الحضور بحرقة وسط تكرار المنشد أن "منلم يبكِ على الحسين لا يدخل الجنة".
وفي ليلة النصف من شعبان -ذكرى ميلاد المهدي المنتظر وفق المعتقد الشيعي-تجري احتفالات مناسبة داخل البيوت؛ حيث يتجمّع الأقارب والأصدقاء فيمجموعات في بيوت بعضهم، ويستمعون لأحدهم وهو يقصّ قصص الأنبياء حتى يصللسيرة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وتسليمه الولاية للإمام علي -رضيالله عنه- ويقصّ قصص مصارع آل البيت، بينما يبدأ الندب والبكاء والنواحبين الحضور.
الحج في إيران إما لمكة أو لكربلاء والإيرانيون يهتمون بزيارة الأماكن المقدّسة في مذهبهم، كلٌ قدر استطاعتهالمادية والجسدية، فيزورون كربلاء ليتذكّروا مصرع الحسين، ويزورون النجفالأشرف قرب الكوفة؛ حيث مرقد الإمام علي -كرّم الله وجهه- ويتوجّهونللمشاهد المقدّسة؛ حيث مراقد أئمتهم وأوليائهم.
وكما يُلقّب أهل السّنة مَن يُؤدّي فريضة الحج بـ"الحاج"، يطلق الإيرانيونالألقاب على مَن يزور الأماكن سالفة الذكر، فيقال لمن يزور المشاهد"مشهدي"، ومن زار كربلاء "كربلائي"، ومن ذهب للنجف الأشرف "نجفي"... وهكذا.
خليط ديني عجيب.. تلك كانت إيران الحياة الدينية الإيرانية نستطيع أن نصفها بأنها "متمحورة حول الفردوالحدث"، فمحورها في الجماعة هو "الفقيه"، ومحورها في العقيدة "آل البيت"،ومحورها في التاريخ "استشهاد آل البيت خاصة الحسين"، ومحورها في المستقبل"عودة الإمام المهدي".. والممارسات الدينية للإيراني يغلب عليها طابعالحزن؛ لارتباطها بالذكريات الأليمة للشيعة، وهي مسألة مشتركة بينهم وبينأصحاب الديانات المرتبطة بفكرة الاستشهاد، كالعقيدة المسيحية القائمة علىفكرة صلب السيد المسيح عليه الصلاة والسلام، وحتى العقيدة الفرعونيةالقديمة المرتبطة باستشهاد أوزوريس على يد "سَت"..
ولكن هذا لا يعني تسليم العقل للصورة النمطية الجامدة عن الإيراني، كشخصيعيش حياته محاصرًا نفسه بين إحياء الذكريات الحزينة، والأمل في عودةالمهدي المنتظر؛ فالرجل الإيراني -كأي إنسان- له جوانب حياته المختلفة؛الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، بكل ما فيها من هموم،وطموحات، وأزمات، ونجاحات، وإخفاقات، وإن كان لحياته الدينية تفرّد أوخصوصية، فهذا مما يقتضي الاقتراب والفهم قبل إطلاق الأحكام، سلبًا أوإيجابًا. |
|