قُتل القائد العام للأمن الجزائري العقيد علي تونسي صباح أمس برصاص مساعد
كبير له، أصيب بنوبة جنون حسب وكالة الأنباء الجزائرية، وتضاربت الأنباء
حول مصيره، في ضربة طالت أحد أركان أجهزة الأمن الجزائرية، وجاءت وسط
تحقيقات واسعة في قضايا فساد بمليارات الدولارات حظيت بتغطية إعلامية
محلية واسعة.
وتقول أغلب الروايات إن تونسي (76 عاما) قتل خلال لقاء عاصف بعقيد يشغل
منصب قائد وحدة المروحيات في الشرطة كان غاضبا على قرار إقالته، على خلفية
تحقيق في قضية فساد في قطاعه.
وأطلق الضابط النار على تونسي، ووقع بعدها تبادل لإطلاق النار جرح فيه شخصان بينهما محافظ شرطة العاصمة الجزائرية، حسب بعض الروايات.
تونسي كان ضابط استخبارات ثم أدار جهاز الشرطة بعد تقاعده من الجيش (رويترز-أرشيف)
مصير القاتل
ولم يتأكد مصير القاتل، فقد قالت وكالة الأنباء الجزائرية إنه أطلق النار
على نفسه وأصيب بجروح خطيرة نقل بعدها إلى مستشفى عسكري، لكن أسوشيتد برس
نقلت عن مصدر أمني لم تسمه قوله إنه قتل.
وقال حسين هارون -الضابط السابق في الاستخبارات الجزائرية اللاجئ في لندن،
في اتصال مع الجزيرة نت- إن القاتل خاطب تونسي قبل قتله بهذه الكلمات "أنا
لا أقبل أن يحكمني ’حَرْكِي‘. رايح نْسَّلَكْ الشعب منك"، (سأريح الشعب
منك).
وحَرْكِي لفظ جزائري يطلق على من قاتل مع الجيش الفرنسي ضد الثورة
الجزائرية، في إشارة إلى خدمة تونسي في هذا الجيش قبل التحاقه بجيش
التحرير الوطني.
تحقيقات في الفساد
وحسب حسين هارون، فقد دخل القاتل مكتب تونسي دون موعد مسبق (في العاشرة
وخمس وأربعين دقيقة بتوقيت الجزائر) وكان غاضبا لما آل إليه تحقيق في
قضايا فساد في الشرطة ألقي بالمسؤولية فيها عليه فقط، وكان يحتج بالتالي
على تحويله كبش فداء.
وقالت صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية إن القاتل -ويدعى شعيب ولطاش- أطلق
النار على كل من في المكتب، وتحدثت صحيفة الخبر عن تلاسن حاد بينه وبين
تونسي.
ووصف وزير الداخلية الجزائري والمسؤول عن قطاع الشرطة نور الدين يزيد
زرهوني، القتيل تونسي بالرجل الوطني الذي قضى سنوات طويلة في محاربة
الإرهاب وتحديث جهاز الأمن، وهو جهاز كان يريد أن يرفع تعداده إلى مائتي
ألف فرد بحلول العام الحالي.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة نفيها أن تكون للاغتيال علاقة بالجماعات المسلحة.
لا معنى سياسيا
وقال الصحفي الجزائري عابد شارف إنه لا يعتقد أن العملية لها بعد سياسي،
وهي لا تعبر عن خلافات سياسية أو جوهرية بين أجنحة النظام، لكنه لم يستبعد
أن تكون لها تأثيرات سياسية.
صحف الجزائر تحدثت مؤخرا عن خلاف بين زرهوني وتونسي على صلاحيات التعيين (الفرنسية-أرشيف)
وعمل تونسي في الجيش الفرنسي قبل أن يلتحق بالثورة ويعمل في وزارة التسلح
والاستعلامات العامة المعروفة بـ(MALG) التي انبثقت عنها الاستخبارات
الجزائرية، وهي استخبارات عمل فيها تونسي بعد الاستقلال حتى تقاعده من
الجيش أواخر ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يكلف في 1994 بإدارة جهاز
الشرطة في أوج الصراع ضد الجماعات الإسلامية، حيث بقي في منصبه حتى مقتله.
وتونسي من أقوى الشخصيات في الجزائر، وقد تحدثت الصحف الجزائرية عن خلافات
بينه وبين وزير الداخلية زرهوني بسبب صلاحيات في قضايا التعيينات.
واضطر تونسي العام الماضي إلى أن ينفي شائعات راجت حول استقالته المحتملة.
وقال الباحث الاجتماعي الجزائري ناصر جابي إن الاغتيال صدمه، فـ"نحن نعتقد عادة أن شخصا مثله لا يمكن إلحاق الأذى به".
تحقيقات واسعة
وجاء الاغتيال على خلفية تحقيقات تديرها، في خطوة نادرة، الاستخبارات
الجزائرية، وطالت صفقات ضخمة في قطاعي البترول والطرق، في إطار ما يوصف
بصراعها مع مؤسسة الرئاسة.
وربطت دوائر إعلامية جزائرية بين فتح ملفات الفساد وبين ما يقول بعض
المعارضين إنه رغبة غير معلنة لبوتفليقة في توريث أخيه سعيد، وفي إنشاء
دائرة أمنية يشرف عليها زرهوني ستضعف جهاز الاستخبارات التي يديرها الفريق
محمد مدين منذ عقدين.